سورة طه - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


أمر الله تعالى موسى وهارون في هذه الآية بالنفوذ إلى دعوة فرعون وخاطب موسى وحده تشريفاً له ويحتمل أن هارون أوحي إليه مع ملك أن ينفذ، و{بآياتي} معناه بعلاماتي التي أعطيتكموها من معجزة وآية ووحي وأمر ونهي كالتوراة، و{تنيا} معناه تضعفا وتبطياً تقول وَنَا فلان في أمر كذا إذا تباطأ فيه عن ضعف ومنه قول الشاعر: [المضارع]
فما أنا بالواني *** ولا الضرع الغمر
والونى الكلال والفتور والفشل في البهائم والإنس، وفي مصحف ابن مسعود {ولا تهنا في ذكري} معناه ولا تلينا من قولك هين لين والقول اللين قالت فرقة: معناه كنياه وقالت فرقة بل أمرهما بتحسين الكلمة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا هو الوجه، وذلك أن كل من يريد دعاء إنسان إلى أمر يكرهه فإنما الوجه أن يحرر في عبارته الذي يريد حتى لا يخل به ولا يخر منه، ثم يجتهد بعد ذلك في أن تكون عبارة لطيفة ومقابلته لينة وذلك أجلب للمراد فأمر الله تعالى موسى وهارون أن يسلكا مع فرعون إكمال الدعوة في لين من القول. وقوله {لعله} معناه على رجائكما وطمعكما فالتوقع فيها إنما هو راجع إلى جهة البشر وقرأ الجمهور {يَفُرط} بفتح الياء وضم الراء ومعناه يعجل ويسرع بمكروه فينا ومنه فارط في الماء وهو الذي يتقدم القوم إليه قال الشاعر القطامي عمير بن شييم: [البسيط]
واستعجلوا وكانوا من صحابتنا *** كما تعجَّل فرّاط لورّاد
وقالت فرقة {يُفرِط} بضم الياء وكسر الراء ومعناه يشتط في إذايتنا، وقرأ ابن محيص {يُفرَط} بضم الياء وفتح الراء ومعناها أن يحمله حامل على التسرع إلينا.
قوله عز وجل: {إنني معكما أسمع وأرى}. يريد بالنصر والمعونة والقدرة على فرعون، وهذا كما تقول الأمير مع فلان إذا أردت أنه يحميه و{أسمع وأرى} عبارتان عن الإدراك لا تخفى معه خافية تبارك الله رب العالمين.


المعنى {فأتيا} فرعون فأعلماه أنكما رسولاي إليه وعبر بفرعون تحقيراً له إذ كان هو يدعي الربوبية ثم أمر بدعوته إلى أن يبعث معهما بني إسرائيل ويخرجهم من غل خدمة القبط وقد تقدم في هذه الآية دعاؤه إلى الإيمان وهذه جملة ما دعي إليه فرعون والإيمان وإرسال بني إسرائيل، والظاهر أن رسالته إليه ليست على حد إرساله إلى بني إسرائيل، وتعذيب بني إسرائيل كان ذبح أولادهم وتسخيرهم وإذلالهم والآية التي أحالا عليها هي العصا واليد وقالا {جئناك} والجائي بها موسى تجوزاً من حيث كانا مشتركين وقوله عليه السلام {من اتبع الهدى} يحتمل أن يكون آخر كلام وفصله فيقوى أن يكون السلام بمعنى التحية كأنهما رغباً بها عنه وجريا على العرف في التسليم عند الفراغ من القول فسلما على متبع الهدى وفي هذا توبيخ له ع: وعلى هذه الجهة استعمل الناس هذه الآية في مخاطبتهم ومحاوراتهم ويحتمل أن يكون في درج القول متصلاً بقوله {أنا قد أوحي إلينا} فيقوى على هذا أن يكون خبراً بأن السلامة للمهتدين، وهذان المعنيان قالت كل واحد منهما فرقة، لكن دون هذا التلخيص، وقالوا {السلام} بمعنى السلامة وعلى بمعنى اللام أي السلام ل {من اتبع الهدى} ولما فرغا من المقالة التي أمر بها عن قوله {وتولى} خاطبهما فرعون، وفي سرد هذه الآية حذف يدل عليه ظاهر الكلام تقديره فأتياه فلما قالا جميع ما أمرا به قال لهما فرعون {فمن ربكما} وقوله {يا موسى} بعد جمعه مع هارون في الضمير، نداء بمعنى التخصيص والتوقيف إذ كان صاحب عظم الرسالة ولزيم الآيات.


استبد موسى صلى الله عليه وسلم من حيث خصه في السؤال ثم أعلمه من صفات الله تعالى بأن لا شرك لفرعون فيه لا بوجه مجاز واختلف المفسرون في قوله {الذي أعطى كل شيء خلقه} فقالت فرقة معناه أعطى الذكران من كل الحيوان نوعه وخلقته أنثى {ثم هدى} للإيتان، وقالت فرقة بل المعنى أعطى كل موجود من مخلوقاته خلقته وصورته، أي أكمل ذلك له وأتقنه {ثم هدى} أي يسر شيء لمنافعه ومرافقه.
قال القاضي أبو محمد: وهذا القول أشرف معنى وأعم في الموجودات، وقرأت فرقة {خلَقه} بفتح اللام ويكون المفعول الثاني ب {أعطى} مقدراً تقديره كماله أو خلقته، وقال فرعون {فما بال القرون الأولى} يحتمل أن يريد محاجته بحسب ما تقدم من القول ومناقضته فيه، فليس يتجه على هذا أن يريد ما بال القرون الأولى ولم يوجد أمرك عندها، فرد موسى عليه السلام علم ذلك إلى الله تعالى، ويحتمل أن يريد فرعون قطع الكلام الأول والرجوع إلى سؤال موسى عن حالة من سلف من الناس روغاناً في الحجة وحيدة وقال البال الحال فكأنه سألهم عن حالهم كما جاء في الحديث «يهديكم الله ويصلح بالكم» وقال النفاش إنما قال فرعون {فما بال القرون الأولى} لما سمع مؤمن آله يا قوم {إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب} [غافر: 30] مثل دأب قوم نوح وعاد الآية ورد موسى العلم إلى الله تعالى لأنه لم تأته التوراة بعد. وقوله {في كتاب} يريد في اللوح المحفوظ أو فيما كتبه الملائكة من أحوال البشر. وقرأت فرقة{لا يَضِل}بفتح الياء وكسر الضاد واختلف في معنى هذه القراءة فقالت فرقة هو ابتداء الكلام تنزيه لله تعالى عن هاتين الصفتين وقد كان الكلام تم في قوله {في كتاب} و{يضل} معناه ينتلف ويعمه، وقالت فرقة بل قوله {لا يضل ربي ولا ينسى} من صفات الكتاب أي إن الكتاب لا يغيب عن الله تعالى، تقول العرب ضلني الشيء إذا لم أجده وأضللته أنا ومنه قول النبي صلى الله عليه حكاية عن الإسرائيلي الذي طلب أن يحرق بعد موته لعلي أضل الله الحديث، و{ينسى} أظهرها ما فيه أن يعود ضميره الى الله تعالى ويحتمل أن يعود إلى الكتاب في بعض التأويلات يصفه بأنه {لا ينسى} أي لا يدع شيئاً، فالنسيان هنا استعارة كما قال في موضع آخر {إلا أحصاها} [الكهف: 49] فوصفه بالإحصاء من حيث حصرت فيه الحوادث.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8